كان الربيع قد أعلن حضوره بقوة مع بداية شهر مارس فبدت الأشجار اكثر بهاءاً
وأنارت الأزهار القلوب بألوانها الزاهية
ولم أكن أحب في ذلك التوقيت من العام اكثر من تمشية هادئة على كورنيش البحر قبيل الغروب
فتكون الشمس قد قررت الابتعاد قليلاً وساد الهدوء إلا من بعض الأمواج المتهادية الحاضنة للرمال
جلست على احد الصخور المنفردة وعدت بالزمن لأتذكر ما حدث
ا" كان نفس الوقت من العام وكنت قد بدأت في التفكير في حياتي ومستقبلي في العمل وفي الزواج
وكان يملأني يقين دائم أن فتاتي يجب أن تكون عاشقة للبحر والوحدة تكون مثلي في كل شيء
ولكن سرعان ما زالت تلك الفكرة عني عندما لاقيت حبيبتي صدفة في أحد النوادي
ولفتت نظري من أول وهلة فعزمت أن أتتبعها كل يوم حتي صار بيننا اللقاء شيئاً عادياً
وتمت خطبتنا كأي محبوبين يقف بجانبهما القدر ويقرر أن يعطيهما قدراً كافياً من السعادة
ولكن لم تكن أبداً أي سعادة لتكتمل فقد كانت حبيبتي إما خجولة بشيء زائد عن
الحد أو كما كنت أشعر أحياناً انها لا تحبني مثلما احبها وكانت تختلق المشاكل
كلما حاولت الاقتراب منها وكنت دائماً أقول لنفسي أنه لا شيء بلا مشاكل وعليّ أن أصبر لحبي لها
وفي إحدى المرات التي فيها احتد بيننا الخلاف لأقصى درجة ذهبت كالعادة
لأتمشى وحدي على الكورنيش أشكو للبحر ما حلّ بي
فإذا بالصخرة المعتادة التي كنت أجلس عليها كل مرة وقد جلست عليها إحداهن
فتاة ملامحها هادئة رقيقة , يبدو علي وجهها كثيراً من الحب والأمل تشعر أنها والبحر مخلوقاً واحداً
جزأ منه كائن في مكانه والآخر يمشي علي الأرض
ولم أستطع ان أفعل شيئاً غير أن اجلس علي أحد الصخور المجاورة لها
ونويت أن استجمع قواي فأحدثها فبدأ بيننا حوار رزين تعارفنا فيه
وتحدثنا عن البحر والنسيم والورود حتى نسيت كل همومي
وعندما عدت منزلي شعرت بشيء ما يبدو غريباً على قلبي ولكني
قلت لنفسي أنه ما كان إلا لقاءاً عابراً لي ولها ولن يتكرر
وذهبت إلي النادي بعدها لأجد خطيبتي تجلس وتملكني بعض الذهول
عندما وجدت الفتاة التي كنت قابلتها تجلس بجانبها
وعلمت عندما حدثتهما أنهما من الأقارب البعيدين وقالت خطيبتي عنها أنها أعز صيقاتها
وأنها السبب أن تغفر لي وتسامحني على آخر ما اختلفنا عليه وحدثت عليه المشكلة
وأحسست أن تلك الفتاة أصبح لها فضل عليّ فهي من أعادت إلي حبيبتي
بعد أن ظننت أني لن أعود لها مرة ثانية
ومضت عدة أشهر أصبحت وخطيبتي على ما يرام إلي حد كبير واصبحت أنا والفتاة أصدقاء
دون ان أشعر ناحيتها بأي شيء غير ذلك ولم ألحظ منها أي شيء أيضاً
يشجعني على معاملتها أكثر من صديقة وكنت أستشيرها في معظم المشاكل التي تقابلني
خاصة أنها درست إدارة الأعمال مثلي فكنت أشعر براحة كبيرة عندما اجدها تفهمني دون ان اتحدث
وعندما كنت أخلو بنفسي على الكورنيش كنت أتساءل كيف لا تكون هي بديلة لحبيبتي وخطيبتي
التي مازالت تدنو ثم تبتعد ولا تفهمني وعندما كنت أفكر هذا التفكير
سرعان ما اتركه يذهب من عقلي لأن خطيبتي هي حبيبتي التي لم أتمني في حياتي اكثر من أن يحوينا بيتاً
واحداً لذا قررت شيئين أولاً وبما ان أحد اصدقائي تعرف علي صديقتي وأبدى اعجابه
بها فلم لا أشجعه علي محادثتها حتي يتقدم للزواج منها
ثانياُ أردت أن يتم عقد قراني وحبيبتي سريعاً ونتزوج وسعدت عندما وجدت منها ومن اهلي وأهلها
موافقة بالاجماع علي اتمام الزواج
وتم زواجي وكنت وزوجتي قد سافرنا لبلد عربي لحصولي علي عقد عمل هناك
فلم أسمع عن صديقتي أي أخبار غير خطبتها من صديقي ثم زواجهما بعد شهور قليلة من زواجي
ومضت الأيام ومر علي زواجي عام كامل وكما توقعت, في كل يوم كان يزداد الجفاء بيني وبين زوجتي
ولم تعد تفهمني ولم اعد أفهمها واحتد الخلاف بيننا كثيراً وبعد اتفاق لم نجد حلاً إلا انفصالنا برضا كلينا" ا
أفقت من توهة طويلة وشريط سينمائي مر سريعاً أمامي وعدت أنظر إلي البحر
الآن وبعد عامين من طلاقي وجدتني أفكر فيها , الفتاة التي قابلتها هنا اول مرة
من كانت قريبة مني ولم أشعر فكنا شديدا الاقتراب شديدا البعد
لا أعلم هل كان يخاف أحدنا من الآخر أم على الآخر هل كنا نخاف الزمن أن ينقلب علينا
لا أعرف....وتساءلت بيني وبين نفسي تُرى كيف هي الآن بالتأكيد سعيدة مع زوجها وأنجبت
منه ما يتمنى ...كنت أعلم ان كل شيء في هذه الدنيا نصيب فتنهدت تنهيدة عميقة وغادرت المكان
وكنت أذهب لمكاني المعتاد يوم أجازتي وبينما انا جالس على صخرتي لم أصدق عيني
حينما رأيتها... هل هي فتاتي أم يُهيأ لي ؟؟
وما الذي أتي بها إلي هنا بعد مرور كل هذا الوقت
لماذا يبدو عليها حزناً عميقاً وكأنها أصبحت في الخمسين من عمرها
أخذت أتأمل ملامحها حتى لاحظت وجودي وكان لقاءاً كلقاءنا الأول
فأخبرتها ما حدث طيلة الثلاث سنوات الماضية وما حدث معها لم يختلف كثيراً عني
فكان زوجها شديد الغيرة شديد العصيبة حتي تطاولت يده في يوم عليها أصر
أهلها بعدها على الطلاق
استمر لقاءنا عدة مرات حتي قلت لها في يوم
وماذا بعد؟؟
قالت..... لا افهم ..ماذا تقصد؟؟؟؟
لقد احببتك من اول يوم رأيتك وكذبت على نفسي كثيراً وكنت أشعر بحبك لي يظهر في كل نظرة من عينيكي
حتي مع كل محاولاتك ألا يظهر...فبدت على وجهها ابتسامة خفيفة وقالت
وأنا أيضاً أحببتك ولكن لم أعرف ماذا أفعل إلا أن أُدخل حبك في قلبي
وأسكنه في مكان امين لا يعرفه أحد حتى انا
كنت أخاف ولكن كان داخلي شيئاً ما يقول لي لا يعلم احد ماذا يمكن ان يحدث غداً وان النصيب لا يوقفه شيء
بالفعل هو النصيب وأخيراً حان الوقت لنقترب بعد كل هذا البعد
وأعلنا ميعاد الزواج ....فتزوجا وبدأت الحياة